تمغربيت:
بقلم الأستاذ: ياسين فرحات
تعيش الساحة العامة، على الصعيدين الوطني والدولي، أزمة سافرة في نماذج القيادة (بعض الأحزاب الوطنية أو دولة جارة كمثال). ولم يعد نادرًا أن نشهد تصرفات تخلو من أدنى مقومات الرصانة والسمو، تصدر عن أشخاص يتقلدون مناصب يفترض فيها القدوة والاتزان. خطاب متدنٍ، شتائم على العلن، مشادات أنانية، وتخبط استراتيجي مقلق. في مشهد يشي بانهيار أخلاقي ورمزي لمكانة القيادة، حتى بات الفرق بين القائد ورجل الشارع يضيق في بعض الحالات إلى حد التطابق.
وهنا يطرح السؤال الجوهري: كيف يمكن لمن يتصدر واجهة حزب، أو يترأس مؤسسة، أو يمثل قضية وطنية.. أن يصرّح أو يتصرف بما لا يليق لا بالوظيفة ولا بالرمزية؟ كيف نغض الطرف عن سلوك لو صدر في بيئة مهنية عادية لأدى إلى الإقالة الفورية.. فإذا به يُتسامح معه في أعلى هرم المسؤولية؟ في ذلك خلل جوهري يستوجب المراجعة.
فكرة رخصة التسيير القيادي..
لو اشترطنا، على الصعيد العالمي، كما نشترط رخصة لسياقة مركبة، رخصة خاصة لقيادة مؤسسة.. حزب، أو جهاز عمومي، لربما أنقذنا الكثير من المواقف والقرارات من العبث. هذه الرخصة لا يُراد لها أن تكون شهادة أكاديمية إضافية، بل آلية تقييم وتحقق تسبق الوصول إلى مواقع النفوذ والتأثير، وتؤطرها ضمن حدود أخلاقية واستراتيجية ونفسية صارمة.
لأن القيادة ليست امتيازًا شخصيًا، بل أمانة عامة. ليست مجرد صلاحيات، بل مسؤولية عميقة تجاه الناس، الزمن، والقيم. من يقود، يصوغ القرارات التي تؤثر على مصائر، يوجه الاتجاهات، ويُجسد أمام الناس نموذجًا لما يجب أن يكون.
مرتكزات هذه الرخصة المقترحة ..
أولًا: أخلاقيات السلوك العام، من حيث القدرة على الحديث بوقار، احترام المختلف، وضبط النفس في مواقف التوتر.
ثانيًا: الكفاءة الاستراتيجية، أي التمكن من التفكير بعيد المدى، وفهم الديناميات الاجتماعية والاقتصادية المعقدة.
ثالثًا: الذكاء العاطفي، بما يشمل التوازن النفسي، الإصغاء العميق، وإدارة الصراعات دون انزلاق.
رابعًا: الثقافة المؤسساتية، أي الوعي بالدور، إدراك الحدود، والالتزام بالقانون وروح المؤسسة.
خامسًا: التقييم الموضوعي، من خلال لجان مستقلة ومراجعة أقران، لضمان النزاهة والشفافية.
قد يعتبر البعض هذا الاقتراح مثاليًا أو غير واقعي، لكن كل خطوة تقدمية بدأت يومًا بفكرة وُصفت بالحُلم. فرض هذه الرخصة ليس كبحًا لطموحات الأفراد، بل تصفية للمواقع من الاستسهال، ورفعٌ لسقف الجودة الأخلاقية والذهنية في دوائر القرار. إنها أداة حضارية لحماية المجتمعات من القيادات المتسرعة، العدوانية أو الجاهلة.
رخصة القيادة القيادية لم تعد ترفًا تنظيريًا، بل مطلبًا حضاريًا عاجلًا، يعيد للقيادة ما تستحقه من مهابة، ولمجتمعاتنا ما تستحقه من احترام.
تعليقات
0