تمغربيت:
بقلم الأستاذ: محمود عبابو
لابد من الاعتراف أن الفساد بالمغرب في الأساس ثقافة ترسخت.. عبر أجيال صنعت تركيبة ذهنية، تستلزم الكثير من الوقت لتغييرها، وترسيخ مبدأ القانون فرديا ومجتمعيا، فذلك المسؤول معين كان أو منتخبا، هو نتاج لنفس المنظومة.
منظومة تأسست عبر الريع، وزادت من ترسيخها، الأحداث السياسية الكبرى التي عرفها المغرب، منذ نهاية الحماية.. حيث تعاقبت على المغرب نخب سياسية أفشلت التطور الديمقراطي.. وقتلت الوليد الجديد قبل أن يتعلم النطق.
إن استحواذ حزب الاستقلال على دواليب الدولة، عبر وأد كل الأحزاب الأخرى.. مرورا بالزمن الذي أهدره اليسار في محاولاته قلب نظام الحكم عوض دمقرطته.. وكذلك المحاولات الانقلابية التي أنتجت، بالمحصلة، انكماشا مركزيا في ممارسة السلطة، واضعافا للأحزاب، والعديد من التجاذبات الهامشية والأفقية.. كل هذا ساهم في ترسيخ ثقافة الفردانية داخل المجتمع بكل مكوناته.
فالمغرب حاليا يعيش أزمة نخب حقيقية، فلا اليساري يأبه بالمهمشين.. ولا الاسلامي هداه الله، أما اليميني فمحافظ (على ثروته). أما التنظيمات السياسية، على اختلاف مكوناتها (أحزاب، نقابات،..)، أصبحت مرتعا لكل وصولي وانتهازي، عوض مهمتها الأساسية المتعلقة بالتأطير والوعي السياسيين، بل حتى تموقعها في “المعارضة”، تحكمه توافقات صالونات الرباط الفاخرة.
وعلى ذكر المعارضة، فقد تحولنا من معارضة جوهرية متسلحة بالمعرفة العقلانية، إلى معارضة فردانية، لاهثة وراء مصالح ضيقة، بعدما اتخدت شكلا “أدسنسيا” راكضا وراء المشاهدات المدرة للدخل، وأثناء الركض تسقط طبيعيا بشكل متعمد أو سهوا، مبادئ الموضوعية.
بل أسوأ من ذلك، فقد صنعت لنا آلهة منفوخة، اللايكات جعلت “الأنا” متضخمة، لدرجة أصبح معها البعض يعتقد أن ما يكتبه أو يصوره وحي، قد تضيع البلاد والعباد اذا انقطع!. الأزمة أزمة نخب، والمسار ذاهب إلى مزيد من الانحدار، فالقوانين والتنصيص متقدم، لكن أين ثقافة القانون، وأين (جدا) تنزيلها؟!
النخبة التي تشكلت تحت الحماية الفرنسية لعبت دورًا محوريًا في ترسيخ الفساد في المغرب بعد الاستقلال، مستفيدة من الإرث الاستعماري الذي ساهم في تشكيل نظام سياسي واقتصادي يعاني من الفساد