تمغربيت:
وفاء لروح الحسن الثاني رحمه الله، نواصل سرد مذكراته والتي دونها في كتابه “ذاكرة ملك”.. وهو عبارة عن حوار أجراه طيب الله ثراه مع الصحفي الفرنسي إيريك لوران..
سؤال : هل كان والدكم قليل الأصدقاء ؟
جواب : نعم ، فهمت على التو أنه من الصعوبة بمكان أن يكون الإنسان صديق ملك. لقد كان له إخوته وكان يحبهم. لكن حين كان الأمر يتعلق ببعض المشاكل فإنه كان يختلي بنفسه.
أنا وحدي الذي كنت الحفيظ على أسواره. كنا نتناول الطعام معاً، وكان أبي في أوقات مرحه من أطيب خلق الله وداعة ولطفاً. أما عندما كان ينتابه الغضب فإنه كان، مع احترامي له، صعب المراس.. وفي ساعات انشراحه كان يحب الدعابة ويتقبل. لذلك كان ينبغي اختيار الألفاظ المناسبة في مخاطبته، وربما كنت أحيانا أجانب الصواب في هذا المجال.. فكنت أقرأ في عينيه على الفور أن الفكرة التي أعرضها عليه قد كانت حسنة.. غير أن التعبير عنها لم يكن موفقا.
هل تعلمون أني كدت أعرض نفسي للقتل في سبيله.. إنها قصة لا يعرفها أحد، ذلك أنه في يوم 25 فبراير 1951 وجه الجنرال جوان، الذي كان مقيما عاما بالمغرب، إنذاراً إلى والدي. وقد آلمني هذا الخبر أشد ما يكون الألم. لم أكن أتحمل أن يتعرض والدي للإهانة. وكان لي في الإقامة العامة صديق يشتغل بديوان جوان، وهو الكولونيل لودون. لقد كان ضابطا مرموقا في فرقة الفرسان، وإنسانا متحررا وعلى جانب كبير من الذكاء.. وقد توفي في الهند الصينية.
كانت الساعة تشير إلى السادسة مساء، وكان الأجل المحدد لانتهاء الإنذار هو الثامنة. فكلمت الكولونيل عبر الهاتف : “كولونيل، هل من الممكن أن أحضر لمقابلة الجنرال جوان؟». فحدد لي موعدا معه في السابعة مساء ودخلت غرفتي لأغير ملابسي وارتديت جلبابا. فتحت قمطر طاولتي الليلية، وأخذت منه مسدسا من عيار 6.35 كنت وضعته هناك. كنت خائفا ، وكنت أقول في نفسي : «لقد أهان جوان أباك ، فلتقتل المهين». وكلمت مستشاري عواد، وكان كاتبي الخاص أيضا، وقلت له : «احضر حالا ، سترافقني إلى الإقامة العامة». وامتطينا المقاعد الخلفية للسيارة. لكن الجلباب – وربما تعلمون هذا – لباس فضفاض. وعندما قعد عواد إلى جانبي أحس بشيء صلب، كان الأمر يتعلق بالمسدس. لم يعلق، ولكنه التفت إلي وقال : «ألا ترى أن نتوجه في البداية الى صاحب الجلالة لتتلقى منه التعليمات الأخيرة؟» . نظرت إليه باندهاش وقلت : «لكنك يا عواد تعلم حق العلم أن أبي يجهل أنني ذاهب إلى الإقامة العامة وقد لا يأذن لي بذلك. فقال : «رغم ذلك، أظن أنه من الضروري أن نراه». فأنقذت بذلك حياتي. إذ لا شك أن حراس جوان كانوا سيقتلونني. وعند وصولنا للقصر، وحينما كنا نحن الاثنين جالسين مع الملك، قال عواد : « مولاي، ولدكم يحمل مسدسا في جيبه . فلم يفه الملك ببنت شفة. ولم أره من قبل كذلك دون رد فعل.
تعليقات
0