تمغربيت:
وفاء لروح الحسن الثاني رحمه الله، نواصل سرد مذكراته والتي دونها في كتابه “ذاكرة ملك”.. وهو عبارة عن حوار أجراه طيب الله ثراه مع الصحفي الفرنسي إيريك لوران..
سؤال : هل كنتم فعلا ستطلقون الرصاص؟
جواب ، بكل تأكيد . فإن اعتبر تصريحي هذا بمثابة محاولة إجرام، فعلى أية حال أظن أن هناك التقادم.. بل كذلك حق الدفاع عن النفس إن جوان لم يكن ذكيا جدا. فهو دون نباهة لوكلير أو دولاتر. لم يكن في مستواهما الرفيع ولا في مستوى ثقافتهما الواسعة. فجوان كان جنديا بارعا.. وأظن أنه لا بد من وجود أناس من هذا النوع لتمكين بعض الشعوب من تحقيق قدرها. فلو لم يكن هناك جوان وخلفه غيوم، الذي نفانا إلى مدغشقر، لما كنا حصلنا على الاستقلال إلا بعد حين.
سؤال : هل تعتقدون أن تصلب الحماية وشططها سهلا بكثير المسيرة نحو الاستقلال؟
جواب : نعم ، لقد كان ذلك العنصر أساسياً. فقد ساعد على نضج الشباب بسرعة. كانت ثمة أجيال ثلاثة : أولها جيل أولئك الذين عاشوا الاستقلال الأول وماتوا في عهد الحماية.. وثانيها جيل أولئك الذين عاشوا الاستقلال ثم الحماية ومن جديد الاستقلال.. والثالث والأخير أولئك الذين لم يعيشوا إلا عهدي الحماية والاستقلال .
إن الجيل الثالث الذي أنتسب اليه كان قد اكتمل نضجه بفعل سخف المقيمين العامين. فكان بمثابة أرضية خصبة خارقة للعادة.. مكنت من زرع الوعي وتعميم النضج.
لقد كنا نرنو إلى النضج لا إلى الهيجان. ثم اكتشفنا، بذهول كبير، أننا عملة قابلة للتحويل. كنا شدادا مشاغبين، غلاظا في نظر الآخرين. وكان يكفي أن نعبر البحر الأبيض المتوسط ونحل بفرنسا لنجد الناس يعتبروننا جديرين بأن ينصت إلينا.
إن عدداً لا يستهان به من الطلبة اضطروا لمتابعة دراساتهم عندكم مما خدم مصلحتنا بشكل جلي. وهناك نقطة لا يعرفها إلا القليل.. كان على جامعة ستراسبورغ، وقت الاحتلال، أن تختار الاستقرار إما في الرباط وإما في الجزائر العاصمة.. وفي النهاية ولحسن الحظ نقلت إلى الجزائر العاصمة، فلو كانت قد استقرت بالرباط لما أمكن إقامة جسر ثقافي مع أولئك الذين عاشوا في الحي اللاتيني أو درسوا في مونبيلييه وبوردو، الخ.. ولكننا عشنا منزوين منطوين على أنفسنا كماء المسبح الذي يتجدد في إطار دورة مغلقة، وبما أن الضرورة دعتنا للرحيل.. فقد وجدنا في فرنسا راحة معنوية وتفهما إلى حد أنه حينما كانت الأمور تزداد تأزما لم تكن القطيعة واردة. ففرنسا لم تكتف بتبليغنا معرفتها. بل جعلتنا نشعر أن ما نطالب به حق، وأن طموحنا لم يكن جنونيا ولا من قبيل حلم الشباب. لقد كان ذلك رائعا.
تعليقات
0