تمغربيت:
وفاء لروح الحسن الثاني رحمه الله، نواصل سرد مذكراته والتي دونها في كتابه “ذاكرة ملك”.. وهو عبارة عن حوار أجراه طيب الله ثراه مع الصحفي الفرنسي إيريك لوران..
سؤال : في سنة 1953 ، تم اقتيادكم بعنف الى المنفى مع والدكم. هل شعرتم أن ذلك كان خطأ سياسيا فادحا ارتكبه الفرنسيون؟
جواب : في أول الأمر اعتبرت أن ذلك من قبيل الظلم.. فليس من اللائق أن يقتاد رجل كوالدي على الساعة الثالثة بعد الظهر محروما ولو من كوب ماء في طائرة د .س 3 بدون تدفئة.. ذات مقاعد خشبية صغيرة معدة أصلا لجلوس المظليين عليها قبل القفز.. وقطعت الطائرة المسافة في سبع ساعات إلى أن وصلت إلى أجاكسيو.
وأبي الذي كان لا يحتمل المكوث في الأماكن المغلقة لم يتوصل طوال الرحلة ولو بحبة من الأسبرين أو قطعة خبز. وظل طيلة مدة التحليق حاملا سبحته في يده ولم يفه بكلمة. وكان معنا وحولنا عدد من رجال الأمن الفرنسيين من غير أن ينظروا إلينا وهم يتناولون «سندويتشات تحتوي على لحم الخنزير. والخلاصة أن الجو كانت تعمه الرائحة العسكرية.. وتشتم منه رائحة غيوم المقيم العام.
وعندما حطت الطائرة بمطار أجاكسيو كان التغيير جذريا. فالوالي كان ينتظرنا بلباسه الأبيض عند سلم الطائرة بعد أن قطع خصيصا إجازته وحضر لاستقبالنا. وقدمت لنا التحية تشكيلة عسكرية. لقد كان الرجل طيبا وقيل له من باريس إنه قامت ثورة على سلطان المغرب، وأنه احتراما لمعاهدة الحماية التي تنص على الحفاظ على حياة السلطان تقرر بعثه الى كورسيكا في انتظار رجوع الحالة إلى سابق هدوئها.
وفي المساء أعد لنا عشاء فاخرا. وأذكر أن باقات من الزهور كانت تملا جنبات المائدة. وجلست قبالة والدي. وحيث إنني لم أكن قد تناولت وجبة غداء فقد التهمت كل ما قدم لنا من أطباق. وبعد ذلك وحينما كنا وحيدين في البهو قال لي والدي : « أين كبرياؤك ؟ لماذا أنت وأخوك تنقضان كالأغوال على أطباق الطعام في هذه الظروف؟ هذا أمر غريب حقا.. فقلت رغبة مني في إضفاء شيء من الانفراج على الجو : «اسمعوا يا سيدي ، إنهم أرادوا قتلنا في الطائرة فهل أموت جوعا حتى يكونوا فرحين؟..
سبحان الله، العائلة المالكة في المغرب بتقاليدها وأسلوبها في الحديث تعكس روح الأسر المغربية كما نعرفها جميعًا. طريقة كلام محمد الخامس والحسن الثاني، الله يرحمهما، تشبه حديث أي أسرة مغربية أصيلة، حيث البساطة، التربية، والاحترام قبل كل شيء.