تمغربيت:
وفاء لروح الحسن الثاني رحمه الله، نواصل سرد مذكراته والتي دونها في كتابه “ذاكرة ملك”.. وهو عبارة عن حوار أجراه طيب الله ثراه مع الصحفي الفرنسي إيريك لوران..
سؤال :
عندما تقولون “ما لا تحمد عقباه” هل تقصدون أن الأمور كان يمكن أن تتحول الى مواجهة بين الجانبين؟
الجواب : نعم، لأن ضلال المعمرين واستكبارهم. وهو ما كان ينطبق كذلك على رجال الأعمال الفرنسيين – لم تكن لهما حدود. وعلى العكس من ذلك كانت ثمة فئة خيرة. وهي التي كان يشكلها الأساتذة، لقد كانوا أناسا ممتازين حقا. وكانوا يكونون نخبة، لأنهم جميعهم، مبرزون. ثم إن هؤلاء الأساتذة سواء منهم أولئك الذين كانوا في الأقسام الثانوية أو الذين كانوا في التعليم العالي.. لم يرتضوا أبدا أن تخدش السياسة الاستعمارية ولو بالنزر اليسير رسالتهم المبنية على تلقين المعرفة. وأذكر أنه في الوقت الذي كان يشتد فيه توتر العلاقات بين الإقامة العامة والقصر لم يكن أساتذتي يتدخلون بأي شكل من الأشكال.. بل كنا نشعر بعطفهم علينا. وهنا لا أقصد أساتذة الرباط دون الآخرين. لقد كونوا جميعا أجيالا في كبريات ثانويات المغرب.. أذكر مكناس على سبيل المثال، فبهذه المدينة كانت توجد أكبر ثكنة فرنسية. وكان يرابط بها باستمرار ثمانون ألف جندي، وبهذه الناحية كان يعيش أكثر المعمرين رجعية، بل أكاد أقول أكثر ظلامية.. ومع ذلك لم يحدث البتة بثانوية مكناس أدنى مشكل بين الأساتذة وتلامذتهم المغاربة..
الاستقلال نتيجة حتمية.. ونضال المغاربة لم يتوقف
سؤال : في أي وقت نشأ الوعي لديكم بأن الاستقلال هو النتيجة الحتمية؟ وبماذا شعرتم ؟
جواب : هناك تاريخ مضبوط ظل عالقا بذاكرتي، هو 29 يناير (كانون الثاني ) 1944. ففي ذلك اليوم اكتسح جمهور من المتظاهرين شوارع الرباط مرددين شعارات المطالبة بالاستقلال.. وبلغني صدى هذه المظاهرات وأنا داخل المعهد المولوي. فتخطيت سوره والتحقت بالمتظاهرين.
وتطورت الأحداث إلى وضع مأسوي حيث قتل من قتل. أما بالنسبة لي فقد أحرج سلوكي هذا والدي وذلك حين استنكرت الاقامة العامة الفرنسية ما قمت به. وأوفدت سلطات باريس “عقيدا ” من أعضاء المكتب الثاني حيث أقام بالمغرب ثلاثة أسابيع للتحقيق في أنشطة الأمير مولاي الحسن ومشاعره المعادية لفرنسا. وبشيء من الإحراج قال لي والدي : “ألم يكفك ما أحمله من هموم؟ وبما أنك تطمح إلى تقمص دور الزعيم السياسي. فستدخل بدورك السجن.. فحاولت تبرير موقفي وقلت : “ولكن سيدي …» فأوقفني وقال : « أبداً ، لا تقل شيئا. حتى تدرك أن تصرفك هذا ليس مجانيا ولا يسيرا”. وأعادني إلى المعهد حيث حرمت من الخروج لمدة ثلاثة أشهر ونصف الشهر. والحقيقة أن الوالد الحنون كان خائفا على ابنه. فقد كنت شيئا ما عنيفا، وكلامي كان يتسم بالحدة. لا تنسوا أنني كنت في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من عمري، وفي مثل هذه السن لا أثر للنسبية في الأحكام، أما والدي فقد كان حاسما في خياراته الأساسية ولكنه كان يتكلم معتمدا لغة المجاز ولم يكن أبدا عنيدا.
لقد ترك يوم 29 يناير (كانون الثاني) بصماته بعمق في ذاكرتي. كان معي يومئذ ثلاثة من رفاقي في المعهد وكنا نصيح بصوت واحد. سنحصل على الاستقلال”. وقلت لهم : “الاستقلال، ما معناه؟ معناه أننا سندير شؤوننا بأنفسنا وأننا سنكون مسؤولين عن كل شيء”.. فقالوا بنبرات ، لا تخلو من الاندهاش : “نعم بالطبع”. وأتذكر أني قلت لهم بالحرف : “هذا ما يجب أن يكون، إلا أنكم سترون أن الأمر لن يكون هزلا كما يخيل إليكم”.
تعليقات
0