تمغربيت:
بقلم الأستاذ: طارق القاسمي
في ديمقراطيات العالم الغربي، حين تتعرض المؤسسات السيادية لهجمات أو تشكيك أو حملات منظمة، تُسارع الطبقة والنخب السياسية، بكل أطيافها، إلى الاصطفاف دفاعا عن هذه المؤسسات.. ليس بدافع الولاء الأعمى، ولا بمنطق رفع الحصانة عن الأخطاء، بل انطلاقا من وعي عميق بأن هيبة المؤسسات الأمنية والعسكرية جزء لا يتجزأ من هيبة الدولة نفسها، وأن تماسك الجبهة الداخلية يقتضي وحدة الصف في مواجهة محاولات التشكيك والاختراق.
في الولايات المتحدة مثلا، رغم الجدل الذي أثارته تجاوزات وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) أو وكالة الأمن القومي (NSA) بعد أحداث 11 سبتمبر، لم يكن هناك أدنى تردد من الحزبين الكبيرين في دعم هذه الأجهزة وتعزيز صلاحياتها، بما في ذلك التصويت على قوانين مثيرة للجدل.
وفي فرنسا، عندما أثار ضباط متقاعدون في الجيش وآخرون في الخدمة، جدلا سياسيا واسعا، انبرت أحزاب من اليمين والوسط للدفاع عن المؤسسة العسكرية، باعتبارها مكونا سياديا لا يجب المساس به، مهما بلغت حدة النقاش العمومي.
أما في ألمانيا، فعندما تورط جهاز الاستخبارات (BND) في شبهة تعاون استخباراتي مع NSA، تعاملت الطبقة السياسية بمسؤولية؛ إذ تم فتح تحقيق برلماني، لكن دون الوقوع في فخ شيطنة المؤسسة أو التشكيك في شرعيتها ودورها الاستراتيجي.
وفي إسبانيا، رغم الجدل الذي رافق قضية استعمال برنامج “بيغاسوس”، حافظت النخب السياسية على لهجة متزنة، تميّز بين النقد المؤسساتي والمساس برمزية الأجهزة الأمنية، حرصا على تماسك مؤسسات الدولة.
وفي بريطانيا، حين وقعت تفجيرات لندن 2005، لم يتردد أي حزب أو مسؤول في الوقوف خلف الشرطة وجهاز MI5، معتبرين أن دعم المؤسسة الأمنية واجب وطني يتجاوز الحسابات الحزبية.
هذا السلوك السياسي المسؤول، الذي يبدو طبيعيا في الدول الديمقراطية، يُقابل مع الأسف بصمت مطبق في السياق المغربي، خاصة حين يتعلق الأمر بالحملات المتكررة التي تستهدف مؤسسات سيادية، وعلى رأسها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، ومديرها العام عبد اللطيف حموشي… أكثر شخصية أمنية تعرضت لوابل من الحملات المسعورة، كلما أثبت الرجل كفاءته ومصداقيته وجدارته بثقة الملك والمغاربة.
على مدى السنوات الأخيرة، تعرضت هذه المؤسسة، التي تلعب دورا مركزيا في حفظ الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والتنسيق مع شركاء دوليين، إلى هجمات إعلامية شرسة ومنظمة من الخارج.. من أطراف داخلية أيضا، تقودها جهات معروفة بعدائها للدولة المغربية، وتستند إلى أساليب التشهير والتضليل.
ورغم ذلك، قلّما نسمع صوتا من داخل الطبقة السياسية المغربية، سواء في الحكومة أو المعارضة، يعبر عن رفض واضح لهذه الحملات أو يؤكد على دعم مؤسسات الدولة في مواجهة الاستهداف الخارجي.
هذا الصمت لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال وتحت أي ذريعة كانت.. بل يطرح أكثر من سؤال:
هل تخشى النخب السياسية أن تطالها بدورها نيران الحملات المنظمة؟ أم أنها لا تدرك أن إضعاف المؤسسات السيادية هو إضعاف للدولة ككل، وليس لشخص أو موقع؟.. أم أن هناك خللا أعمق في تمثل مفهوم المصلحة العليا لدى جزء من النخبة المغربية، بحيث تُترك مؤسسات الدولة في عزلة، تواجه الحملات وحدها، دون غطاء سياسي أو سند معنوي داخلي.. ولا تتحرك إلا إذا مست هي في سمعتها ومصالحها؟ حين تلتزم الطبقة السياسية بالصمت، فإنها تفتح الباب أمام الفراغ، وأمام قوى تسعى جاهدة لتأزيم الثقة وضرب التماسك الداخلي.
وقد آن الأوان للتساؤل بوضوح، لا من باب التمجيد، ولا بمنطق المزايدة، بل من موقع المسؤولية الوطنية: هل صمت النخب السياسية عن استهداف المؤسسات السيادية.. هي لامبالاة زائدة عن حدها لدرجة إثارة الاشمئزاز أم هو تواطؤ صريح في الاستهداف ؟
تعليقات
0