تمغربيت:
بقلم الأستاذ: الصديق معنينو
وأنا في طريقي إلى مكناس انتابني شعور غريب نظرا لأني على موعد مع ضابط شهير في القوات المسلحة الملكية.. لم يكن الشخص عاديا فقد ارتبط اسمه بإحدى أكبر المعارك العسكرية في الصحراء بل يمكن اعتبار ما حققه من انتصار تحولاً استراتيجيا في ميزان القوى ومسار المواجهات العسكرية.
فيلا النصر
كان علي أن أجد شارع بئر أنزران، ثم “فيلا النصر” حيث يقطن الجنرال المتقاعد.. اندهشت بكون الشارع يحمل اسم المعركة التي انتصر فيها.. لا أدري هل هو الحظ أم أن تسمية الشارع إشارة ذكية تميز أحد ساكنيه.. والغريب أن مفاجأتي ستتواصل طيلة مقامي في مكناس..
استقبلتني العائلة بكاملها ووقف الجوال حسين مزيرد لتحيتي والترحيب قال “أنت منّا، وأنا أعرفك منذ زمان.. شكرا على اهتمامك وزيارتك”.. وساد الصمت.. بدا لي الرجل مرهقاً مما عقد مهمتي حيث حِرت من أين أبدأ.. كان هدفي هو الحصول على مزيد من المعلومات حول بئر أنزران وكان في نيتي أن أركز على المعركة التي قطعت الطريق أمام المرتزقة.. لكن الصمت ظل يخيم على جلستنا.
اغتنمت المناسبة للقول بأني سعيد بهذا اللقاء وأني حاولت منذ سنوات الحصول على عنوان أو هاتف الجنرال.. ولكن الله سهل الأمور خلال الأسابيع الماضية حين اتصلت بي أصغر بناته … قلت لها.. “أريد أن أرى والداك”.. بعد أيام حددت لي الموعد.. أصغر بناته لها قصة جميلة بل يمكن القول أن اسمها يؤرخ لمعركة بئر أنزران.. سألت والدتها عن سبب حملها لهذا الاسم واندهشت من جوابها..
في حاسي بيضا
سألت الجنرال متى التحقت بالجيش؟ اقترب مني السي الحسين وكانت أنفاسه تتصاعد وقال “التحقت بالأكاديمية العسكرية بمكناس سنة 1959.. وبعد سنتين تخرجت منها ملازما مساعداً وفورا التحقت بايت باعمران وكانت سيدي إيفني لا تزال تحت الاحتلال الإسباني كما هو الأمر بالنسبة للصحراء…”.
في سنة 1963 قام الجيش الجزائري بالهجوم على نقطة مراقبة الحدود في حاسي بينما قتل الحراس وأحرق الخيام والسيارات.. “فوراً تلقيت الأمر بالتوجه إلى المنطقة.. اجتزنا تيزنيت حتى المحاميد وخضنا حرباً دفاعية استرجعنا فيها أرضنا..”. ومعلوم أن خلافات داخلية في الجيش الجزائري للسيطرة على الحكم كانت وراء الهجوم.. ولحد اليوم لازال الجيش الجزائري يتذكر تلك الهزيمة، بكثير من الألم ولازالت القيادة الجزائرية تعتبره السبب الرئيسي للتوتر بين البلدين وإغلاق الحدود…
ونظراً لأن الرجل أبان على درجة عالية من المهنية في التحرك والشجاعة فقد وشح صدره الجنرال ادريس بن عمر قائد الجيش المغربي المكلف باستعادة حاسي بيضا.
غادرت أصغر بنات الجنرال الجلسة وعادت بصورة رائعة للجنرال بن عمرو وهو يوضح صدر الضابط مزيرد.
قوس بوگراع
عاد للصمت وكان على أن أبادر.. قلت “هل عدت إلى ضواحي سيدي ايفني؟.. أجاب.. “عدت إلى تيزنيت لسنوات قبل أن التحق بالأكاديمية كمدرب.. طال عملي فيها سبع سنوات وتخرجت على يدي عدة أفواج.. بعد ذلك تقدمت لاجتياز امتحان “القيادة العليا” ونجحت فيه.. بعد سنة سيعلن الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء.. كنت إذاك في وجدة ومنها وجهتنا القيادة إلى أغادير.
بعد انطلاق الحرب كلفت بإعداد أربع فرق لوحدات التدخل السريع ودام ذلك سنة أشهر ثم رحلت إلى “فوس بوكراع” لحماية مناجم الفوسفاط والشريط المطاطي الناقل حتى العيون.. تعرضنا لعدة هجومات كان بعضها عنيفا ومكلفاً.. كان العدو يغادر تيندوف ليلا ويتقدم بسرعة وهو مشتتا وحين يقترب من الهدف يتم التجمع والهجوم وبعد ساعة من القتال ينسحب وهو متفرقاً مما تصعب معه المطاردة..
الدروس الحسنية
مع مرور السنوات وارتفاع درجة المواجهة سينتقل إلى بئر تحلو ثم تيفاريتي.. هناك سينتقى الأمر بالتوجه إلى يئر أنزران.. ستدوم الرحلة ثلاثة أيام وسيقوم الفوج المحمول السادس مرافقنا.. كانت المنطقة مهددة باستمرار، وكان السكان يخشون اختطافهم وحملهم إلى معسكرات تيندوف.. كان موقع بئر انزوان استراتيجيا والسيطرة عليه تفتح الطريق نحو الداخلة.
نحن الآن في رمضان 1979.. وكان الحسن الثاني يترأس الدروس الحسية… يوم 3 غشت أخذ الملك الكلمة وأعلن أن المغرب قرر استرجاع وادي الذهب بعد أن تخلت موريتانيا عن التزاماتها.. وقال قولته
الشهيرة “كبرها تصغار”.
وكانت موريتانيا قد شهدت انقلابا عسكريا أطاح بالرئيس ولد دادة.. ووصل إلى الحكم ولد هيذالا الذي سارع إلى الاعتراف “بجمهورية تيندوف” والارتماء في أحضان عسكر الجزائر.. وسرياً تم الاتفاق على أن موريتانيا ستتراجع عن كل اتفاقياتها مع المغرب وتطالب بانسحاب القوات المغربية التي كانت تحميها من حجوم الانفصاليين.. أعلنت موريتانيا انسحابها من وادي الذهب واتفقت مع الجزائر أن تفتح لها الطريق الاحتلال الداخلة.
كان التخطيط الجزائري يسعى لتحقيق ثلاثة أهداف.. أولا هزيمة الجيش المغربي المرابط في بئر أنزران واحتلال الموقع ثانيا اختطاف السكان المغاربة الصحراويين وعددهم يفوق الألف والخمسمائة والتقدم نحو مدينة الداخلة لاحتلالها.. ثالثا إعلانها عاصمة للجمهورية الصحراوية وطلب النجدة من الحلفاء.. وكانت وحدات من الجيش الجزائري في مطار تيندوف تنتظر النداء.. في هذه الأثناء اجتاحت مدينة الداخلة مظاهرات عارمة أعلن خلالها السكان عن مغربيتهم والمطالبة بحمايتهم.. ورفعوا الرايات وصور الملك واعتصموا مطالبين بالتدخل السريع للقوات المغربية نظرا لاحتمال تعرض المدينة لهجوم مفاجئ..
تعليقات
0