تمغربيت:
د. عبد الحق الصنايبي
إن دراسة وتحليل ظاهرة سياسية معينة، تفرض الرجوع إلى الجذور والأصول وأن نعود إلى التاريخ القديم والحديث وأن نربط الأشياء بعضها ببعض، وأن نقرأ ما بين السطور، وأن نبحث عن أهداف كل فريق وخلفياته ومعتقداته، وعندها، ربما، ستتغير الكثير من الرؤى التي نعتقد بصوابها أو تتكرس الأحكام السياسية التي راكمتها سنوات الدراسة والعلم والتحقيق.
انطلاقا من هذا المعطى، واستمراراً لما يمكن أن يصطلح عليه بـ “الاستراتيجية الفكرية” لموقع “تمغربيت”، واعتبارا لكون مفهوم الأمن الشامل يجعل من المواجهة الفكرية هي جزء من منظومة الدفاع والمواجهة للتهديدات التي ترخي بظلالها على الأمن القومي للمملكة المغربية، بشكل خاص، والعالم العربي والإسلامي عموماً.. على اعتبار أن المملكة المغربية تعتبر أحد جدارات الصد في وجه جميع مشاريع الهيمنة والتوسع والتي تخطط منذ عقود من أجل بسط سيطرتها الإيديولوجية والسياسية على جميع الدول العربية دون استثناء.
على هذا المستوى، يبقى حزب الله الأداة العسكرية في يد إيران والمنفذ الأمين لاستراتيجية الدولة الصفوية بالمنطقة، ليتجاوز دوره الاستراتيجي الفضاء الحيوي للبنان لينطلق لتنفيذ “الخطة الخمسينية لحكماء الدولة الصفوية” في العالم. وهنا سنجل، من خلال هذه الحلقات، حجم الإرهاب والدموية التي ميزت تاريخ حزب الله في تعامله مع باقي مكونات الطيف السياسي اللبناني بل وتعدى إرهابه ليضرب العديد من الدول التي لم تخضع لأجندة إيران وإملاءاتها بداية من الكويت ووصولا إلى الأرجنتين. كما أن إرهاب حزب الله، الذي ضرب جميع دول الخليج العربي، سيُضَيّق دائرة القتل والاغتيال لتعصف بأقرب المقربين وتضرب الرجل الثاني في التنظيم.
«أصبح المشهد مملاً، أليس كذلك يا رفاق؟»
بهذه الكلمات الحزينة والغاضبة ختم الإعلامي جورج حاوي في 18 مايو 1987م.. كلماته في ذكرى تأبين المفكر والقيادي في الحزب الشيوعي اللبناني حسن حمدان (مهدي عامل) في جامع الإمام علي، بحضور حشود من الشيوعيين ومناصريهم وعدد من المثقفين.
هي إذاً لغة القوة وصوت الأحزمة الناسفة والسيارات المخففة بدل لغة الحوار والجدال والدفع بالتي هي أحسن، لغة تعتبر الرد الوحيد والاختيار الأوحد الذي تبناه «حزب الله» في تدبير اختلافاته مع المعارضين السياسيين الذين رفعوا القلم في وجه آلة الاغتيال التي تديرها إيران ويمثلها حزب الله «اللبناني».
ورغم أن جل المعنيين من قريب أو من بعيد يرفضون الإدلاء بشهادتهم في قضايا الاغتيال التي تورط فيها حزب الله مخافة مواجهة نفس مصير من سبقوهم، فإن الوثائق التي تم تسريبها وبعض الشهادات «الشجاعة» أماطت اللثام على جرائم حزبه الله الإرهابي.
اغتيال مهدي عامل:
ولد حسن حمدان (مهدي عامل) عام 1926م في بلدة حاروف الجنوبية، وشغل وظيفة أستاذ في الجامعة اللبنانية.. كما اعتبر من أهم المفكرين في لبنان والعالم العربي وله عدة مؤلفات في الفكر والسياسة والشعر.
سيتم اغتيال مهدي عامل أثناء توجهه إلى الجامعة يوم 18 أبريل 1987 في بيروت على أيدي عناصر من حزب الله. وجاء اغتيال عامل بعد نحو ثلاثة أشهر على رجوع القوات السورية إلى بيروت على إثر اشتباكات بين الحزب الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة، وحركة أمل وحلفائها من أدوات النظام الإيراني والسوري من جهة ثانية، كجزء من حروب الشوارع التي كانت تسيطر على بيروت.
تقول ماري الدبس نائب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في شهادتها حول اغتيال مهدي عامل: «بدأت العلاقات متوترة للغاية ووصل حزب الله حد اغتيال العديد من رفاقنا.. وبوجه خاص مثقفين وأطر جامعية. قتلوا على سبيل المثال مهدي عامل الذي اشتغل على مسائل الاستعمار والدين، وهو مثقف بارز وفيلسوف مرموق».
اغتيال حسين مروة:
سبق اغتيال مهدي عامل بثلاثة أشهر مقتل المفكر العربي واللبناني حسين مروة، وهو على فراش المرض، وقد قارب الثمانين من عمره، على أيدي ثلاثة أشخاص كانوا معروفين (اتهمهم الحزب الشيوعي في أحد بياناته) وكان من بينهم أحد مسؤولي حزب الله في منطقة الرملة البيضاء حيث كان يسكن مروة.
ويذكر جورج حاوي حادثة الاغتيال في مرارة شديدة فيقول: “والأبشع من هذا كله الدخول إلى منزل الشيخ الجليل حسين مروّة الذي كان تخطّى الثمانين ولم يكن قادراً على المشي. قتل بنجاسة نادرة فلا هو مقاتل ولا شاب ولا مسلّح”.
وحول اغتيال حسين مروة يقول الباحث في حركات الإسلام السياسي عبد الجليل معالي: “كان حسين مروّة يفكر ويكتب خارج السرب الطائفي والمذهبي الذي اجتاح لبنان، وحرص على عدم الدخول والمشاركة في عاصفة الاصطفافات الطائفية المتقاتلة في لبنان. هو كذلك كاتب صحافي في عديد المجلات الفكرية كمجلّة الطريق «الطريق» اللبنانية وساهم بمقالات عديدة في صحف كالحياة والأخبار والنداء حيث واظب على كتابة عمود يومي في هذه الجريدة أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 بعنوان «الوطن المقاتل»، ولكنه قُتلَ بأياد لبنانية آثمة اغتالته يوم 17 فبراير من عام 1987 وعجزت عن محو آثاره الفكرية والصحافية والسياسية».
إن الاختلاف بين الأطروحات السياسية والفكرية مع الطموحات الهيمنية لحزب الله لا يمكن تصفيته إلا بلغة الرصاص وعلى صوت انفجار السيارات المفخخة، خصوصاً في ظل المظلة الإيرانية/السورية التي استباحت دماء وأعراض كل من يرفضهم أو يحاربهم حتى على مستوى الفكر.
تعليقات
0