تمغربيت:

بقلم الأستاذ مصطفى البختي 

شهدت جنوب إفريقيا، نتيجة ضعف نموها الاقتصادي، إغلاق 623 شركة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، ما شكّل تحديًا كبيرًا للشركات الكبرى، مع تصاعد تكاليف التشغيل، وتراجع طلب المستهلكين، واحتدام المنافسة العالمية. وقد اتسم اقتصاد جنوب إفريقيا في مطلع 2025 بمصاعب مستمرة، حيث سجل مؤشر ثقة الأعمال (MB/BER) نسبة 45% في الربع الأول، أي أقل من المستوى المحايد البالغ 50%، مما يعكس تشاؤمًا واسع النطاق بين الشركات.

وساهمت عوامل عدة في تأزيم الوضع، من بينها ضعف شبكة الكهرباء، والسياسات الاقتصادية غير الفعالة، والتوترات التجارية العالمية، بما في ذلك تعليق رسوم جمركية بنسبة 30% وسط مخاوف من حرب تجارية. كل ذلك أجبر العديد من الشركات على اتخاذ قرارات صعبة لضمان الاستدامة، ما أثر بشكل مباشر على الموظفين والدائنين والمجتمعات المحلية.

وأظهرت بيانات هيئة الإحصاء بجنوب إفريقيا أن 538 شركة أغلقت أبوابها طوعًا، بينما أُغلقت 85 شركة أخرى بشكل إلزامي. وهو ما يشكّل انخفاضًا بنسبة 2.4% مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.

ورغم هذا الانخفاض السنوي، إلا أن شهر ماي 2025 شهد ارتفاعًا ملحوظًا في عدد التصفية، خاصة الإلزامية، حيث تم تسجيل 141 حالة، بزيادة إجمالية بلغت 12.8% على أساس سنوي، منها 122 طوعية و19 إجبارية.

تركزت هذه التصفية في قطاعات التمويل والتأمين والعقارات والخدمات التجارية (37 حالة)، والتجارة والمطاعم والإيواء (23 حالة).

وقال كريغ بلومينثال (Craig Blumenthal) إن بيانات التصفية تكشف مؤشرات مهمة حول أداء الاقتصاد، موضحًا أن التصفية الطوعية قد تعكس نشاطًا تجاريًا طبيعيًا، مثل إغلاق مركبات مالية أو شركات ذات أغراض خاصة، ولا تشير بالضرورة إلى إفلاس. أما التصفية الإجبارية فغالبًا ما تكون نتيجة الإفلاس أو أوامر قضائية، مما يعكس ضغوطًا مالية حقيقية.

ورغم تراجع إجمالي عدد التصفيات مقارنة بعام 2024، إلا أن التصفيات الإجبارية ارتفعت بنسبة 14%، ما يشير إلى تصاعد الضغط على الشركات في البلاد.

وسجّل الاقتصاد الجنوب إفريقي معدل نمو ضعيف لم يتجاوز 0.6% في عام 2024. وبالرغم من تجنبه الركود في النصف الثاني من السنة، بفضل الطلب الاستهلاكي، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي لم يرتفع إلا بنسبة 0.1% في الربع الأول من 2025.

ومع نمو عدد السكان بمعدل 1.5% سنويًا، فإن أي نمو أقل من ذلك يُعني تراجعًا في نصيب الفرد من الناتج المحلي، ويؤشر إلى فقر متزايد.

تتزايد التوقعات بتراجع النمو أكثر خلال عام 2025، وسط خفض التصنيفات من طرف اقتصاديين بسبب التوترات الجيوسياسية، والتحركات السياسية الأمريكية، والإصلاحات الحكومية البطيئة. وبلغ متوسط توقعات بلومبرغ 1.0%، بينما تتوقع أنابيل بيشوب (Annabel Bishop) من بنك “إنفستك” نموًا لا يتجاوز 0.9%.

الشركات الكبرى لم تسلم بدورها من الضائقة المالية. فشركة أرسيلور ميتال جنوب إفريقيا (AMSA) تواجه أزمة بسبب ضعف الطلب وارتفاع تكاليف الطاقة والمنافسة الصينية. وشركة دنلوب تايرز أنهت إعادة هيكلة في مصنعها بـ”لاديسميث”، ما أدى لتسريح 90 موظفًا.

كما أغلقت بيك آند باي (Pick & Pay) 32 سوبرماركت، وأعلنت خطة إعادة هيكلة بعد خسائر مالية ضخمة. وأغلقت وولوورثس (Woolworths) خمسة متاجر أغذية، وأغلقت سبار (Spar) 13 متجرًا بسبب أعطال تشغيلية.

إيتالتيل (Italtile) نقلت أو أغلقت متاجر بسبب الجريمة، وموراي آند روبرتس (Murray & Roberts) دخلت في خطة إنقاذ مالية، تتضمن بيع أصول لشركة بقيادة “ديفيرنشيال كابيتال”.

أما شركة Group Five Construction، فما زالت في عملية إنقاذ منذ 2019، بينما تعاني ستيفانوتي ستوكس (Stefanutti Stocks) من صعوبات مرتبطة بمشاريع الطاقة، رغم تعاقدها مؤخرًا في مشاريع الطاقات المتجددة.

مولتي تشويس (MultiChoice) فقدت ملايين المشتركين، وتواجه تحديات كبيرة، في حين تعاني هيئة الإذاعة والتلفزيون الجنوب إفريقية (SABC) من عجز مالي خطير بلغ 7.03 مليار راند، مما يهدد استمراريتها.

وأخيرًا، شركة Cell C لا تزال مُعسرة تقنيًا رغم محاولات إعادة الهيكلة، كما يعاني مكتب البريد الجنوب إفريقي (SAPO) من ديون تفوق 4.4 مليار راند، وقد يُغلق 657 فرعًا تخدم المجتمعات الريفية.